بقلم... رجاء محمد إذا سألوك في مرة كم عشت إلى الآن؟ بماذا ستقدّر عمرك؟! بالسنين التي قضيتها من يوم ولادتك إلى اليوم كما يفعل الجميع؛ لا تتعجل لتجيب فلا حرج في أن تستغرق بعض الوقت لتراجع عقلك في أي سنة نحن بالضبط كي لا تنقص أو تزيد سنة لعمرك لا سمح الله! و من ثم تجيب برقم مقدّس بمنتهى اللاوعي... أم بالشهور التي انتظرتها على أمل أن يتغير العالم و الأشخاص من حولك للأحسن دون أن تكلّف نفسك عناء التفكير بضرورة أن تكون شاملا هذا التغيير؛ الذي يفترض أن تكون محوره الأساسي... أم بالأيام التي مضت دون أن تشعر أنك عشتها؛ معذور! أنت إنسان مشغول! كيف لك أن تولي ٣٦٥ يوما نفس الاهتمام أمام كل مغريات الحياة ما دام بوسعك تلخيصها في أيام مميزة كيوم ميلادك، يوم النجاح و التخرج، رأس السنة و باقي الأعياد، المناسبات الرسمية و الذكريات الرمزية. شئت أم أبيت، كل الأيام أضيفت إلى فاتورة حياتك و لا بدّ من تسديدها دون مراعاة إن كنت عشتها كما يجب أو لم تعشها أصلا... أم بساعات العمل و الحصص الدراسية الثقيلة التي رجوت فيها عقارب الساعة أن تسرع و لم تبالي بك، و ساعات الأنس و الصفو الأخرى التي مضت في لمح البصر و لم تأخذ فيها ذات العقارب اذنك بالمضي أو التريث... أم بدقائق الانتظار! التأخير! الشرود! التي تنكر نسبها إلى عمرك؛ في الوقت الذي مر في حياتك ما لا يحصى من الدقائق غالية التي لم تغتنمها... أم بالثواني التي انقطعت فيها أنفاسك ترقبا لأحداث غيرت مجرى حياتك، و أخرى اتخذت فيها أجرأ القرارات التي لازمتك نتائجها طول عمرك... أم باللحظات التي كانت خالصة لخالقك، و التي كانت بقرب أحبائك و أخرى اختليت فيها بنفسك، فبعض من هذه اللحظات تعادل عمرا بأكمله! لو جمعت كل هذا قد تحصل على العمر الذي عشته، لكن لو أردت الحقيقة فالعمر لا يقاس بوحدات الزمن و لا يعبر عنه بمجرد أرقام تحددها شهادة ميلاد و أوراق رزنامة، إنما بالآثار التي طبعها هذا الزمن فيك؛ بحجم تجاربك و مستوى صمودك في مضمار الحياة؛ بكمّ الذكريات التي استطعت اختلاسها من شريط العمر و احتفظت بها؛ بما حققته لنفسك و ما استثمرته لآخرتك. إن لم تستطع أن تعيش هذه فلا عمر لك! و لا إنجاز يذكر إذا عمّرت مائة عام حتى! فلنتّفق أنه لا خيار لك "كم سنة تعيش"، لكن بيدك أن تختار "كيف تعيش"! عش على هذا الأساس، وقتها فقط تستطيع الإجابة على السؤال: كم عمرك الحقيقي؟!...